أيّنا أكثر حظًا: نحن أم آدم؟

 

أيّنا أكثر حظًا: نحن أم آدم؟

يرى عالم النفس والفيلسوف الألماني الأمريكي إيريك فروم في الحب الوسيلة لقهر الانفصال الذي يلازم الإنسان بعد انفصاله عن أمه ووعيه التدريجي بانفصاليته، باعتبار الحب الحل الكامل لهذه المشكلة التي يطلق عليها مشكلة الوجود الإنساني.

وينطلق من هذه المشكلة للحديث عن تجربة “الوقوع في الحب”، الانهيار الفجائي للحدود بين اثنين، حيث يصبح الغريب معروفًا للآخر بشكل حميمي، يذوب معه شعور الانفصال لدى الإنسان، فيشعر بنوع من الاتحاد مع الآخر، يقوى على قدر المفاجآت التي يكشفها له الآخر أو يكشفها هو للآخر.

يمكن أن ندعو هذه المرحلة مجازًا بـ”جنة الحب”. ولا عجب أن نسمع إذن عن فترة الخطوبة في الزواجات التقليدية على وجه الخصوص أنها أجمل فترات الارتباط. وقلت أننا يمكن أن ندعو هذه المرحلة بـ”جنة الحب” مجازًا، لأن أبرز خصائص الجنة هو الخلود، بينما المرحلة هذه بطبيعتها قصيرة العمر. فحتى لو استطعنا أن نجد في كل يوم جانبًا من حياتنا الشخصية للحديث عنه، آمالنا وقلقنا، بل وحتى غضبنا وإحباطنا، فإنها ستميل -كما يقول فروم- إلى النقصان أكثر بمرور الزمن.

وهنا تبدأ المشكلة، حينما نتوهم المشكلة في الشخص نفسه، دون اعتبار طبيعة العلاقات نفسها، ثم نبحث نتيجة لهذا عن الحب مع شخص آخر، أو مع غريب جديد كما يقول فروم، لتتكرر العملية نفسها، مع الوهم نفسه الذي سيصحبنا في كل مرة أن الحب الجديد سيكون مختلفًا عن كل السالفين، قبل أن يبدده الزمن مرة عاشرة. وما كانت هذه الأطوار لتشكل مشكلة حقيقية لو كان الوعي بها حاضرًا.

قلت مرة لأحد أصدقائي في ساعة إحباط: لا تقع في حب فتاة تنوي الزواج بها إلا حينما تكون مستعدًا للزواج، حتى لا تطول الأيام بينكما فيفتر الحب في قلبها ثم تفقد الرغبة المتقدة الأولى بك، فإنك إن لم تظفر بها في “جنة الحب” فلن تضمن الظفر بها عند الخروج منها.

وبعيدًا عن المغالطة في نصيحتي حينما وجهت له النصيحة بأن لا يقع في الحب كما لو كان الوقوع في الحب شيئًا نختاره، بل كما لو أن الإنسان “يقع” بوعيه، فإني تساءلت فيما لو كان بالفعل خيرًا لنا أن نهبط من تلك الجنة قبل أن يجرّد الزمن مشاعر الحب الأولى. إذا ما سلّمنا بأن ذلك الهبوط قدر محتم كقدر أبينا آدم.

في اعتقادي أنه خيرٌ لنا أن نعيش حياة الرتابة بعد الهبوط من جنة الحب، على أن ندخلها بوهم صورة لن تستمر أبدًا. لقد كنا أكثر حظا من أبينا آدم حينما وُهبنا الحياة بعد الهبوط من الجنة، فعرفناها أول ما عرفناها ببؤسها وفنائها ولم نعشها بوهم النعيم والخلود.

غير أن ما سبق يمكن أن يبعث لنا رسالة أخرى، وهي أن لا نتمسك بأؤلئك الذين يحبوننا على نحو أكثر قدر تمسكنا بالذين يستطيعون أن يحبوننا على نحو أطول.
من السهل جدًا أن نعثر على من يمكن أن يحملوا لنا مشاعر حب عظيمة للحظة، ولكن من الصعب جدًا أن نعثر على من يستطيعون أن يحملوا لنا هذه المشاعر دائمًا، أولئك الذين رفضوا أن يغويهم الشيطان فلم يخرجوا من الجنة.

 

4 رأي حول “أيّنا أكثر حظًا: نحن أم آدم؟

اضافة لك

  1. التنبيهات: اسم الموقع
  2. ماشاءالله تبارك الله ، فلسفه جميله تلامس حقيقه المشاعر اتجاه معنى الحب ..

    بكل جد أنني أفتخر بشباب وطني .. في كل مره ارى جمال مايكتبون من فلسفه وحديث رائع 🌹

    إعجاب

  3. جميل جداً ما تكتبه اناملك وما يرتبه عقلك من الجمل والمعاني الجميلة التي له وقع كبير على العواطف ، احييك على ما نشرت وبأنتظار جديدك دائماً.

    إعجاب

أضف تعليق

أنشئ موقعاً أو مدونة مجانية على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑