إرادة روبي وآش

إرادة روبي وآش

تخيل أن تكون إرادة أحدهم طوع قلمك، أن تكون الشخصية التي ترسمها في مخيّلتك عنهم هي ما تتكون عليه في واقعهم، أن لا يتطلب الأمر سوى أن تكتبه ليكتسب وجوده الرسمي والذهني معًا. أن تمارس عليهم دور الرب وهم بالآلهة ملحدين.
يصوّر فيلم Ruby Sparks هذه الفانتازيا من خلال شخصية كالڤن، الكاتب الذي رأى في أحد أحلامه فتاة فاختار أن يستلهم منها شخصية روايته، لكن المفاجأة تحدث حينما يستيقظ من نومه فيجدها كما تخيلها في روايته، باسمها وشخصيتها وحتى تاريخها.
يتجاوز الصدمة، ويعود إلى آلة الكتابة ليثبت شكوكه أو ينفيها، فيكمل كتابة روايته، لتتمثل فتاته في واقعه كما تخيّلها.
كان باستطاعته أن يجعلها تتحدث الفرنسية كما فعل مرة وتأكد عندها أن آلة الكتابة هذه لا بد وأنها قد سقطت سهوًا من يد الآلهة.
حينما استاء لحاجتها إلى البعد عنه قليلًا والاختلاط بالناس نتيجة عزلته، كل ما احتاجه لتعديل سلوكها أن كتب في روايته أنها كانت تكتئب حينما لا تكون معه، فتعلّقت به حتى تمثلت طلال وهو يقول “توحشني وانت بجنبي” وبكت من فرط اشتياقها له وهي معه!
وكل ما احتاج إليه حتى يمنحها السعادة أن يكتب ذلك في روايته أيضًا.
لربما استهوتك الفكرة قليلًا، وتحركت في نفسك نزعة التملّك، وقلّبت في مخيّلة هذه الفانتازيا صورة حبيبتك لتغيّر شيئًا من إرادتها نحوك أو لتتعلق بك أكثر، أو أن تسمعك الكلمات التي تضنّ عليك بها، أو أن تمنحك ما تفكر به الآن، أيًا كان ما تفكر به الآن.
ولكنك ستواجه بعدما تشبع كل نزواتك اللحظية التساؤل الذي تردد في ذهن كالڤن، فيما لو كانت روبي فتاة حقيقية.
بالطبع كانت حقيقية عند كل أحد، وعند نفسها أيضًا. فلم يكن ينقص إنسانيتها شيء، ولكنها كانت عند كالڤن ناقصة الإرادة.
لم يعد لمشاعرها أية قيمة، ما دامت مشاعرها من صنعه.
كان باستطاعته أن يدفعها لأن تقول له “أحبك، أحب شكلك وفمك وأنفك وشعرك، أحبك يا عبقري”، ولكن ما قيمة هذه الكلمات إن لم تخرج بإرادتها؟
ما قيمة الحب إن لم يكن مدفوعًا بإرادة نجهلها، بإرادة لا نستطيع التنبؤ باستجابتها، لا نحارب في محاولة إقناعها أو كسبها؟
يختلف الإنسان عن الإنسان بالإرادة، فإن لم تكن ثمة سوى إرادة واحدة، فليس ثمة سوى إنسان واحد، وإن تعددت الأجساد.
وما يحدد الموجودات الحية عن غيرها هو اكتساب هذه الإرادة، بدونها لا يعدو الإنسان أن يكون آلة مُبرمجة.

ينقلني ذلك إلى آشن في مسلسل Black Mirror وتحديدًا في حلقة Be Right Back.
نحن هنا مع جسد آخر مسلوب الإرادة ولكن بصورة مختلفة، فحينما تفقد مارثا حبيبها آش، تسمع عن خدمة تبقي صلتها مع الموتى، عن طريق استخدام ماضي الميت على شبكاته الاجتماعية وتحليل كل منشوراته وتعليقاته وإعجاباته. ومن خلال تحليل الذكاء الاصطناعي لأسلوب حديثه، يحاكي البرنامج آش فتتحدث معه مارثا كما كانت تتحدث معه وهو على قيد الحياة.
تتحسن نفسيتها بادئ الأمر على الرغم من علمها أن الإرادة التي تتوهمها هي إرادة مصطنعة من تاريخ آش، ويتطور الأمر فتشتري ‘روبوت’ بتفاصيل جسده لتعيش معه حد ممارسة الجنس!
وهنا تقارن مارثا بينهما.
كانت الإرادة هي العلامة الفارقة بين الجسدين، وكل التفاصيل التي افتقدتها مارثا في جسد آش المبرمج تعود إلى نفس الإرادة التي تفتقدها وتفتقد الإحساس بها، فلم تكن إرادته سوى نتيجة لوغاريتمية محتمة، تفقد بها الإرادة مفهومها العشوائي الذي يحتمل المفاجأة والتقلب والدهشة ولا يخضع لمعطيات ومعادلة محددة!

 

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

أنشئ موقعاً أو مدونة مجانية على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: